السويداء بين صراع داخلي ووهم الانفصال وحتمية الارتباط بدمشق

الصراع في السويداء يعكس أزمة أعمق في إدارة التنوع في سوريا، حيث تتأرجح الأقليات بين البحث عن حماية خارجية والحاجة إلى الارتباط بالمركز. بعد عقود من الهدنة الحذرة بين نظام الأسد والدروز، تفاقمت الأوضاع بسبب التمدد الإيراني ونشاط حزب الله، مما حوّل المنطقة إلى ممر لتهريب الكبتاغون وزعزع استقرارها.
بعد سقوط نظام الأسد، تبنت دمشق لهجة تصالحية، لكن رفض فصائل السويداء المسلحة لنزع السلاح أبقى المحافظة عرضة لخلافات داخلية قديمة، تعود إلى تنافس عائلي وتباينات بين المرجعيات الدينية الدرزية الثلاث: تيار الشيخ حكمت الهجري، الأكثر حدة تجاه دمشق والمنفتح على التقارب مع إسرائيل؛ وتيار الشيخ يوسف جربوع، الأكثر قرباً من الحكومة؛ وتيار الشيخ الحناوي، الذي قطع صلته بالحكومة مؤخراً.
على هذه الخلفية، اندلعت مواجهات دامية بين عشائر بدوية ومسلحين دروز، وسرعان ما اتسع نطاق القتال، مما استدعى تدخل العشائر السورية لنجدة البدو وتجمع الدروز حول مسلحي الهجري. حاولت القوات الحكومية التدخل، لكنها اضطرت للانسحاب مع اتساع رقعة الصراع، وسط أنباء عن تدخل إسرائيلي عبر غارات جوية.
زعيم الدروز في إسرائيل، الشيخ موفق طريف، تعهد بتوفير حماية إسرائيلية للدروز مقابل قطع صلاتهم مع دمشق، لكن هذه الوعود تبدو غير قابلة للتنفيذ، إذ تتطلب السيطرة على شريط حدودي واسع داخل الأراضي السورية.
على الرغم من ذلك، يتقدم خيار الانفصال في أوساط الشخصيات الدرزية، إلا أنه يبقى غير ممكن موضوعياً، نظراً لافتقار السويداء للمقومات اللازمة للإدارة الذاتية، مثل الثروات الطبيعية الكافية والمنفذ الجغرافي والاقتصاد المستقل.
يبقى الحل الأمثل هو “إدارة ذاتية ممولة من دمشق”، حيث يحصل الدروز على صلاحيات واسعة ضمن الدولة السورية وبتمويل من المركز، وهو ما يمثل حلاً وسطاً يحقق مصالح الطرفين. إن تجاوز الأزمة الحالية يتطلب البحث عن صيغة جديدة للتعايش داخل الدولة السورية، توازن بين مطالب السويداء في الحكم المحلي وحاجة دمشق إلى الحفاظ على وحدة البلاد.
لتحقيق ذلك، يجب على النخب الدرزية التي توارت بسبب الهجرة السياسية أن تلعب دوراً في صياغة مستقبل الطائفة، وعدم ترك الساحة للقيادات الدينية، لتجنب تكريس الطائفية.
المصدر: https://www.okaz.com.sa/news/politics/2210921?ref=rss&format=simple&link=link











